صعوبة فهم علوم الحديث
الأسباب والعلاج
د.صالح يوسف معتوق
الأستاذ المشارك في الحديث وعلومه
في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فإن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، ولولاها لأشكل علينا فهم كثير من النصوص القرآنية،وبها تمت النعمة،وكملت الشريعة الإلهية.
وإذا كان القرآن الكريم قد تكفل الله تعالى بحفظه؛فوصل إلينا بطرق لا يتطرق إليها أدنى شك أو شبهة،فإن حفظ السنة النبوية من الدخيل قد وُكل إلى الأمة التي وفقها الله تعالى إلى ذلك،ففتح على علمائها-بعد أن رأى إخلاصهم وجهودهم- أبواباً من علوم توثيق الأخبار والمرويات ودراسة الأسانيد والمتون، فتم جمع السنة وتدوينها، ودونت الضوابط والقواعد التي اتبعت في قبول الأخبار و ردها مما لم يكن معروفاً عند أرقى الحضارات آنذاك، وأُطلق على هذا العلم اسم علوم الحديث أو مصطلحه،وبات هذا العلم مفخرة يباهي بها علماء المسلمين جميع الأمم.
وبعد تدوين السنة وعلومها في مصنفات،باتت جهود العلماء منصبة على إيصال هذه الكتب إلى الأجيال التالية،وعلى التنقيح والضبط والتقعيد والتمحيص، وأضحى كل جيل يحمل مشاعل هذا العلم إلى من يليه، وقد يضيف لبنة جديدة، أو يدعم رأياً ويصوبه،أو يضعفه ويرده.
وكان كلما تقدم الزمن قل عدد العلماء الذين نذروا أنفسهم لهذا العلم، إلى أن أصبح في القرن الرابع عشر الهجري[1] يعتبر مـن نوافل العلوم،ولا يدرس إلا دراسة سطحية تقتصر على حفظ التعريفات، وانصرف الطلبة بل العلماء أيضاً إلى الاشتغال بعلم الفقه،لحاجة الناس إليه فـي النوازل المستجدة،وطمعاً في منصـب القضاء، وشـاع عند هؤلاء المتأخرين مقولة: (إن علم الحديث نضج واحترق).
وأدت هذه المقولة إلى عزوف الطلبة عن دراسة علم لا مجال للنبوغ فيه، أو الزيادة عليه.
وفي النصف الثاني من القرن السابق عادت مظاهر الاهتمام بتدريس هذا العلم، فأنشئت كليات تدرس علوم السنة وعلوم القرآن وعلوم العقيدة،وعُرفت باسم كليات أصول الدين، وافتتحت في مرحلة الدراسات العليا تخصصات في كل علمٍ من العلوم المذكورة،وتخرج منها أناسٌ حملوا شهادات عالية (ماجستير ودكتوراة) في السنة وعلومها،وقاموا بتدريسها للطلبة في الكليات الشرعية بعد أن كان يقوم بذلك أي متخصص في علوم الشريعة عموماً،واعتبر هذا العلم علماً ضرورياً،ومتطلباً رئيساً لكل طالب جامعي في الدراسات الإسلامية،ينبغي أن يكون فيه متخصصون يتابعون مسيرة السابقين ويبنون عليها، وكان من نتائج هذا الاهتمام بروز أعلام ارتبطت أسماؤهم بجهودهم في خدمة علوم السنة تدريساً وتصنيفاً.
وبالرغم من هذه الجهود المشكورة في إعادة إحياء هذا العلم،إلا أنه ظهرت مشكلات في تدريسه،فإن كثيراً من الطلبة لم يفهموه،ولم يدركوا أهميته بالنسبة للعلوم الأخرى فدرسوه للنجاح فقط،وأُهمل ونُسي بعد ذلك،وشكا الطلبة من صعوبة هذا العلم،وعدم تمكنهم من استيعابه،واختلطت عليهم مفاهيمه وموضوعاته،وتناقل الطلبة هذه المشكلات،وورثوا لأخلافهم أن النجاح في هذا العلم يعتمد على حفظ المصطلحات لا على الفهم والاستنباط.
ومن المشكلات التي رافقت إحياء هذا العلم أيضاً ظهور فوضى في تصحيح الأحاديث وردها،واقتحامُ باب الاجتهاد في الحكم على الأحاديث من قِبل من لا أهلية له من المصنفين والمؤلفين الذين أعادوا دراسة ما اتفق السابقون على قبوله أو رده،فصححوا بعض ما رده الأئمة الأولون،وردوا بعض ما قبلوه، وولج هذا الميدان من لم يقرأ سوى كتاب واحد،أو بضعة كتب؛ولم يفهم مرادها،ولم يدرك مراميها،وغابت عنه دقائق هذا العلم وتحقيقات العلماء وتمحيصاتهم،فأصبح قراء هذه المصنفات في ضياع وحيرة بسبب هذه الفوضى.
ولا يجوز أن نرى هذه الصعوبات تواجه الطلبة ونقف مكتوفي الأيدي من غير أن نبذل جهوداً في إزالتها،ونبحث عن وسائل تساعدهم على استيعاب علوم الحديث،ونخلص الناس من تجرؤ من هب ودب على إصدار حكمه على الأحاديث،وعلى استباحة حِمى السنة بحجة مخالفتها للعقل من قِبل كل ناعق.
لذا كان من الأهمية بمكان عقد لقاءات وندوات ومؤتمرات،وإجراء حوارات ومناقشات،للدفاع عن السنة وعلومها،والذود عن حياضها،ولابد من إعداد بحوث ومقالات من قِبل أهل الاختصاص تضع حلولاً للمشكلات التي يعانى منها.
وآمل أن تكون هذه الندوة نواة لندوات ومؤتمرات تالية،وأن تكون النتائج والتوصيات التي ستصدر عنها محققة للأهداف المتوخاة إن شاء الله تعالى.
وبادئ ذي بدء أود أن أطرح بعض الأسئلة:
1- هل مقرر علوم الحديث ومصطلحه صعب أم لا؟
2- وهل هو أصعب من سائر العلوم؟
3- وهل صعوبة علم ما أمر مريب؟
4- وهل يفترض في كل علم أن يكون سهلاً للجميع؟
5- وهل هذه الشكوى حديثة أم قديمة؟
6- وما أسباب هذه الصعوبة ؟
7- وما الحلول المناسبة لهذه المشكلات ؟
هذا ما سأحاول الإجابة عنه في الصفحات التالية بإذن الله تعالى.
هل مقرر علوم الحديث صعب؟
إن مقرر علوم الحديث يضم في طياته موضوعات متعددة،وهذه الموضوعات ليست على درجة واحـدة مـن السهولة أو الصعوبة،وتكمن الصعوبة في استيعاب هذه الموضوعات-كلها أو جلها- كونها في فصل
دراسي واحد أو في فصلين.
وطبيعة هذا العلم تتطلب من دارسه حضور الذهن دائماً مع الذكاء والانتباه، إنه يتطلب مستوى عالياً-نوعاً ما- من الطلبة،كما في علوم الطب والصيدلة ونحوهما من العلوم التي يشترط في قبول طلبتها نسبة عالية من النجاح في الثانوية العامة.
وبما أن صعوبة هذا العلم أو عدمها أمر يقرره الطالب المتحمل لهذا العلم فقد رأيت أن أشرك طلبتي[2] (112 طالباً) بالإجابة عن هذه الأسئلة:
1- هل تجد صعوبة في فهم هذا العلم؟
2- مـا أسبـاب الصعوبة في رأيك؟
3- ما اقتراحاتك لتذليل هذه الصعوبة؟
فكانت نتيجة الجواب عن السؤال الأول على النحو الآتي:
أ- 80 ثمانون طالباً أجابـوا بـ(نعـم)،أي بنسبة 71.5%،ونصف هؤلاء ذكروا أنهم وجدوا صعوبة كبيرة في فهمه.
ب- 32 اثنان وثلاثون طالباً أجابوا بـ (لا)،أي بنسبة 28.5%،ومنهم (عشرة طلاب) قالوا (إنهم يجدون متعة في دراسة هذا العلم) ومنهم (عشرة آخرون) وجدوا صعوبة في البداية وبعد فترة سهل الأمر عليهم[3] .
ومن واقع تدريسي لهذا العلم لاحظت أن جل الطلبة الذين وصلوا إلى مرحلة التخرج نسوا مبادئ هذا العلم،فلا يميزون المرفوع من الموقوف والمقطوع،ولا يفرقون بين المنقطع والمقطوع والمرسل،ولا بين الحديث الغريب وغريب الحديث وغير ذلك،وحالُ الدارسين والخريجين وقالُهم يشهد بأن هذا العلم صعب الفهم والاستيعاب.
ولكن هل هذا العلم أصعب من سائر العلوم؟
رأيي المتواضع في هذا الموضوع أن مقرر علوم الحديث وإن كان صعباً يتطلب مستوى معيناً من الطلبة إلا أنه ليس بأصعب العلوم،فهو ليس أصعب من مقرر أصول الفقه،ولا من مقرر النحو،وإن الشكوى من تدني مستوى الطلبة في علم النحو وعدم استيعابهم له مريرة،بالرغم من أن الطالب يدرس هذا العلم في جميع المراحل الدراسية.
هل صعوبة العلم أمر معيب؟
إن صعوبة علم ما لا تعيبه ولا تنقص من قدره وأهميته، وإن لكل علم طبيعته التي تناسب بعض المستويات العقلية دون بعض، وكما أن البشر ليسوا على درجة واحدة من الذكاء أو الغباء؛فكذلك العلوم فيها السهل،وفيها المتوسط،وفيها الصعب. وبما أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتفاوت أفراد المجتمع في نسبة الذكاء والإدراك والوعي اقتضت أيضاً أن تتفاوت مستويات العلوم، ليجد كل فرد ما يناسب مستواه العقلي، فلا يبغي أحدٌ على أحد،فليس من الحكمة أن تكون جميع العلوم سهلة،كما لا تستقيم الحياة البشرية إذا كان جميع البشر متساوين في الفهم والإدراك.
إن العيب ليس في صعوبة هذا العلم،بل العيب كل العيب في أن يُفتح باب التسجيل فيه لجميع المستويات العقلية.وتخيل فيما لو سمح بدراسة الطب مثلاً لكل من نال درجة النجاح في الثانوية العامة،ألن يؤثر ذلك سلباً على مستوى التدريس عموماً؟ وألن تكون هناك شكوى من تعسر هذا العلم على أفهام الطلبة؟ وألا يؤدي وجود هؤلاء إلى تأثير سلبي على الطلبة المتفوقين؟ وهل يعاب علم الطب إذا شكى الطلبة من صعوبته؟.
هل الشكوى من صعوبة هذا العلم حديثة أم قديمة؟
ينبغي أن نعلم أن الشكوى من جدية هذا العلم وصعوبته،وقلة من يتأهل له،وانشغال الطلبة بقشوره وظواهره دون الغوص في أعماقه ليست جديدة وليدة هذا العصر،بل قديمة جداً، فإننا نقرأ في مقدمة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح[4] المتوفى 643هـ كلاماً يشهد لذلك قال:
((إن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة،وأنفع الفنون النافعة،يحبه ذكور الرجال وفحولتهم،ويُعنى به محققو العلماء وكَمَلَتُهُم ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسَفِلَتُهم. وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها، ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء،وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء.
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيماً،عظيمةً جموع طلبته،رفيعةً مقادير حفاظه وحملته، وكان علومه بحياتهم حية، وأفنان فنونه ببقائهم غضة،ومغانيه بأهله آهلة، فلم يزالوا في انقراض ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد، ضعيفةُ العُدَد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلاً، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلاً، مطَّرِحين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فُخِّم أمره)) .
وفي القرن الذي يليه شكا الإمام الذهبي رحمه الله المتوفى سنة 748هـ من كسل طلبة الحديث، وعدم بذلهم الجهد اللازم للتأهل في هذا العلم، كما شكا من تجرئ غير المتأهلين له على ولوج ميادينه وأبوابه، فقال في كتابه القيم تذكرة الحفاظ[5] ينصح طلبة الحديث: ((.... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نَقَلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر، والتيقظ، والفهم مع التقوى، والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان، وإلا تفعل:
فدعْ عنك الكتابة لست منها ولـو سوَّدت وجهـك بالمــدادِ
قال الله عز وجل:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً،وصدقاً،وديناً،وورعاً،وإلا فلا تتعنَّ[6]، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مُخلِّطٌ مُخبِّطٌ مُهْمِلٌ لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البَهْرج،ويَنْكُبُ[7] الزَغَل،ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فقد نصحتك.فعلم الحديث صَلِفٌ[8]، فأين علم الحديث؟وأين أهله؟كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب((.
((فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا،وتبدل الناس بطلبة يهزأ بها أعداء الحديث والسنة، ويسخرون منهم)).
وشكا أيضاً-مما نشكو منه نحن اليوم- من تطاول البعض على أئمة المحدثين وجهابذتهم، وتنقصه منهم فقال[10]: ((...فبالله عليك يا شيخ، ارفق بنفسك، والزم الإنصاف، ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشَّزْر، ولا تَرْمُقنَّهم بعين النقص، ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا!! فما فيمن سَمَّيتُ أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين، عالم بسبيل النجاة، وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسِبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة وأبو داود؟ هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه وما أصوله؟ ولا يفقهون الرأي، ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله بالدليل، ولا هم من فقهاء الملة.
اسكت بحلم، أو انطق بعلم، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء، ولكنَّ نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث. فلا نحن ولا أنت. وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه. ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبأو فأعرضْ عنه، وذره في غَـيِّه، فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة)).
وقال في سير أعلام النبلاء[11] : ((فقد عم البلاء، وشمِلت الغفلة، ودخل الدَّخَل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتب على الفقهاء وأهل الكلام)). أ.هـ.
وإذا قلنا إن علم الحديث صعب بطبيعته، يتطلب مستوى معيناً من الفهم؛ فإننا لا ندعو بذلك إلى الاستكانة لهذه الصعوبة، وعدم البحث والتنقيب عن طرق ووسائل تُيَسِّر فهمه، وتوضح غوامضه لطلبته، وتذلل لهم الصعوبات التي يواجهونها. بل إننا نطالب بالاستفادة من وسائل التعليم الحديثة وأساليبه بما يتلاءم مع علومنا.
وقبل البحث عن وسائل تذليل الصعوبات يجدر بنـا أن نقف وقفة نحدد فيها الأسباب والعوائق التي تحول بين الطلبة وبين فهمهم واستيعابهم هذا العلم.
الأسباب والعوائق:
إن أسباب ارتياح الطالب لعلم ما وحبه له، أو نفوره منه وبغضه له، ترجع إلى واحد من أربعة عناصر تتكون منها العملية التعليمية، وهي:
1- أسباب تتعلق بالطالب.
2- أسباب تتعلق بالمدرس.
3- أسباب تتعلق بطبيعة العلم.
4- أسباب تتعلق بالكتاب المقرر.
أ- ما يتعلق بالطالب:
1- جدة هذا العلم وجهلهم السابق به (ذكره أكثر الطلبة).
2- الإهمال، وعدم التحضير والمذاكرة إلا ليلة الامتحان.
3- عدم الاستفسار من الأستاذ عما هو غامض بسبب الخجل.
4- وَهْمٌ وخوفٌ حصل للطالب بسبب ما سمعه عن صعوبة هذا المقرر من زملائه السابقين.
5- كثرة الغياب، أو التأخير عن حضور المحاضرات.
ب- ما يتعلق بالأستاذ :
1- عدم القدرة على توصيل المعلومة بشكل يتناسب مع مستوى الطلبة.
2- عدم ربط الجديد بالقديم.
3- جدية المدرس الزائدة.
ج- ما يتعلق بالمقرر:
1- طول المنهاج، وكثرة الموضوعات وتداخلها (ذكره أكثر الطلبة).
2- تشابه التعاريف ودقتها، بحيث لو نقصت كلمة منها لاختل المعنى المراد.
3- كثرة أسماء الرواة، وغرابتها، وصعوبة ضبطها.
د-ما يتعلق بالكتاب:
1- صعوبة عباراته، ودقة صياغته.
2- عدم ترتيب موضوعاته وفق المنهاج المقرر.
تلك مجمل الأسباب التي ذكرها الطلبة، وهي أسباب ينبغي أن تحمل على محمل الجد،لأنهم أول المعنيين بهذا الأمر،وهم أعرف من غيرهم بما يواجهونه من عوائق.
أسباب أخرى:
أريد أن أضيف أسباباً وعوائق أخرى، توصلت إليها من خلال تجربتي في تدريس هذا العلم،ومما سمعته من زملائي،أو من طلبة آخرين،وهي:
1- لا يزال بعض الأساتذة الأفاضل يدرس على الطريقة القديمة في الجلــوس علــى الكرســي طــول الوقت،يقرأ من الكتاب-أو يقرأ عليه- ويشرح عباراته،ولا يستخدم أي وسيلة إيضاحية كضرب الأمثلة، أو استخدام السبورة.
2- إن بعض من يدرس هذا المقرر ليس من أهل الاختصاص الدقيق، وإنما كلف به تكملة لنصابه.
3- عدم ضرب الأمثلة الواقعية المعاصرة للتمثيل لبعض أنواع علوم الحديث، كالمتواتر أو المنقطع أو الغريب، وصيغ التحمل والأداء وغيرها، فإن الأمثلة إذا كانت كلها قديمة جداً لا ترتبط بواقع الطالب وعصره فسيصعب عليه تصورها وإدراكها إلا عن طريق الحفظ بلا فهم، وإذا ما ربطت بأمثلة واقعية انطبعت في ذهنه ومخيلته، وسهل عليه فهمها وإدراكها.
4- عدم تأقلم الطالب مع المرحلة العلمية الجديدة (الجامعية) فما زال مرتبطاً ذهنياّ بالمرحلة الثانوية ونظامها.
5- عدم تطبيق مفردات هذا العلم عند دراسة مقرر شرح الحديث الشريف، فلا يُهتم ببيان اتصال الأسانيد وانقطاعها، ولا بصيغ الرواية والتفرقة بينها ونحو ذلك، مما يُشعر الطالب بأن هذا العالم لا صلة له ولا نسب بدراسة الحديث، فكيف بالعلوم الشرعية الأخرى؟!.
6- اتباعنا لنظم التعليم الغربية في تدريس علوم الدين الإسلامي عموماً، وعلوم الحديث خصوصاً، بتحديد عدد من الساعات تدرس فيها جميع موضوعات هذا العلم، ويعتبر الطالب بعدها مؤهلاً لأداء ما تعلمه، من غير النظر إلى ملائمة تلك النظم إلى طبيعة هذه العلوم.
وأعتقد أن هذا السبب من أكبر العوامل التي حالت بين هذا العلم وبين فهم الطلبة له.
وبعد أن ذكرنا أسباب صعوبة فهم هذا العلم عند الطلبة، آن الأوان للشروع في بيان الحلول المقترحة لتذليل هذه الصعوبات، وجعل هذا العلم ميسراً لهم.
الحلول المقترحة:
سأبدأ -بعون الله تعالى- بإيراد الحلول التي اقترحها الطلبة[13]، ثم أردف ذلك ببيان حلول إضافية من خلال تجربتي التدريسية، وسأوزع هذه الحلول على عناصر العملية التعليمية الأربعة:
أ- ما يتعلق بالطالب:
1- التحضير قبل الدرس، والمذاكرة بعده.
2- الإكثار من الأسئلة الاستيضاحية، وعدم الخجل من ذلك.
3- الحرص على الحضور في أول الوقت.
ب- ما يتعلق بالأستاذ:
1- ترغيب الطلبة بهذا العلم ببيان أهميته وثوابه وفضله، وإيراد قصص من جهود السابقين في طلبه،إزالة للملل والجمود.
2- ألا ينتقل إلى شرح الموضوع الجديد قبل التأكد من فهم الطلبة للموضوع السابق.
3- الإكثار من توجيه الأسئلة للطلبة للتأكد من فهمهم، وتدريبُهم على الإجابات السليمة.
4- الاهتمام بالطلبة الضعفاء و إشراكهم في المناقشات والحوارات، وعدم التركيز على المجتهدين.
5- إعطاء دروس تقوية.
ج- ما يتعلق بالمقرر:
1- تقليل كمية الموضوعات المقررة(هذا رأي أكثر الطلبة).
2- إعادة صياغة التعريفات بألفاظ مألوفة.
3- تقسيم موضوعات هذا العلم على عدة فصول دراسية.
د- ما يتعلق بالكتاب:
1- أن يكون ملخصاً ومختصراً.
2- أن يكون مرتباً وفق الموضوعات المقررة.
3- أن يؤلف كتاب يتضمن شرح الأستاذ وإيضاحاته بحيث يتمكن الطالب من الاستغناء عن الأستاذ.
تلكم مجمل اقتراحات الطلبة لتذليل صعوبة فهمهم علوم الحديث، وهي اقتراحات وجيهة، وإن كان بعضها يتعذر تطبيقه في ظل مناهج التدريس الحالية.
وأرى أن تلك الأسئلة التي أجاب عنها الطلبة لو وُجهت إلى طلبة في جامعة أخرى لما اختلفت الإجابات عنها كثيراً،لأن الهم واحد،والشكوى واحدة،ومستوى الطلبة متقارب، فعلى القائمين بتدريس هذا العلم أن يتجاوبوا مع هذه المقترحات ما أمكن نفعاً للطلبة.
مقترحات أخرى:
إني إذ أتفق مع الطلبة في كثير مما أوردوه إلا أن لي رأياً في هذه القضية ليس مخالفاً لهم بل مكمل، ويمثل عدة اقتراحات:
أولاً: ينبغي لأستاذ المقرر أن يبين للطلبة -مراراً وتكراراً-أن القواعد والضوابط التي وضعها علماء الحديث لقبول الحديث أو ردِّه يمكن الإفادة منها في الواقع العملي، ويمكن أن تتخذ منهجاً لقبول أو رد أي خبر يقرأ أو يسمع من وسيلة إعلامية، وأن من يتقن هذا العلم تصبح لديه ملكة في تمحيص الأخبار، فلا تنطلي عليه الشائعات ولا الأكاذيب ولا المبالغات، ويستطيع أن يميز قيمة الخبر الذي اتفقت عليه وسائل الإعلام من الخبر المختلف فيه، ونوعية هذا الاختلاف، ومن الخبر الذي انفردت به إحداها.
أمثلة:
وصل إلينا خبر دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان بطريق التواتر، فقد نقله جمع من الإعلاميين تحيل العادة اتفاقهم على الكذب، لأنهم يعملون لدى وكالات أنباء أو وسائل إعلامية متعددة، مختلفة المشارب، ومتضاربة المصالح، وهذا الخبر اعتمد على الحس وهو المشاهدة، لا على الاستنباط والاجتهاد، فلا يرفض قبول هذا الخبر أحد.
وفي بعض الأحيان تنفرد وسيلة إعلامية بنشر خبر دون غيرها، فإذا كان السامع يثق في هذه الوسيلة ولم يجرب عليها الكذب، ويعتقد صدق مراسلها وثقته و أمانته فإنه سيتقبل هذا الخبر. فيكون مثالاً للحديث الغريب الصحيح.
وإذا كان السامع لا يثق بهذه الوسيلة واعتاد منها كثرة الخطأ، أو لا يثق بمراسلها فلن يصدق هذا الخبر. ويكون هذا مثالاً للغريب الضعيف، وقس على ذلك.
ونستفيد من باب الاتصال والانقطاع فيما إذا نقل المراسل خبراً شاهده أو سمعه بنفسه، أو عبر مصدر آخر، فإذا أغفل مصدره فالإسناد منقطع ويزعزع ثقة المتلقي بالوسيلة، وإذا ذكر مصدره فالإسناد متصل، وتتوقف صحته على مصداقية المصدر.
ويمكن أن يمثل للحديث الذي ظاهره الصحة وفيه علة قادحة بالإنسان الذي لا يظهر عليه أي أثر للمرض ولا يشعر بذلك،لكنه مصاب بمرض لا يتم اكتشافه إلا بعد مراجعة طبيب حاذق، وهذا الطبيب لا يكتشف العلة إلا بعد إجراء فحوصات مخبرية، وصور إشعاعية، أو صوتية ونحو ذلك.
ومن العلامات التي تشكك في صحة الخبر أن تنفرد به وسيلة إعلامية ويكون لها مصلحة في بثه،أو يكون لمصلحة الحزب أو الجهة التي تنتمي إليها، أو لإيقاع فتنة في بلد يخالفها سياسياً أو قومياً أو عقائدياً ونحو ذلك مما يدخل في باب الجرح والتعديل. وقس على ذلك أمثلة كثيرة يمكن أن تتنزل عليها مصطلحات المحدثين.
فمن يتقن قواعد علوم الحديث في قبول الأخبار النبوية وردها يستفيد منها في قبول سائر الأخبار.
ثانياً: أ- تبين لي بالتجربة أن إعادة شرح الدرس مرة أخرى في المحاضرة التالية، أو تخصيص محاضرة في كل أسبوعين لإعادة ما سبق أفاد الطلبة كثيراً، ورسخ المعلومات في أذهانهم، وتأكد لي فائدة هذا التكرار حين وجدت أحد طلابي يفهم جيداً، ويسأل أسئلة تنم عن فهمٍ وإدراك، فسألته عن سبب ذلك، فأخبرني بأنه سبق له دراسة هذا العلم في جامعة أخرى.
إلا أنني لم أواصل التجربة مع طلابي؛ خشية عدم إنهاء الموضوعات المقررة، وهو أمر يحاسب عليه المدرس.
ب- إن رسم شجرة الأسانيد على السبورة، وبيان مواضع الانقطاع بأنواعه، أو التفرد، والعزة، والتواتر، والمتابعات والشواهد، والنكارة، والشذوذ، والعلل ساعد كثيراً في تصور الطالب لمعاني المصطلحات، وهو أمر لا يحتاج إلى وقت إضافي كسابقه. وإن تعذر تطبيق ذلك في بعض الأوقات لا ينبغي أن يدعونا ذلك إلى تركه بالكلية، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
ج-تدريب الطلبة على كتابة الأحاديث بأسانيدها المتصلة بأنفسهم، وماذا يحذفون ليكون السند منقطعاً أو معضلاً أو مرسلاً أو معلقاً أو موقوفاً أو مقطوعاً، ويعطون أحاديث بأسانيدها يبينون فيها المتابعة التامة والقاصرة والشواهد، ويبينون صيغ الأداء ودلالاتها، ونحو ذلك.
ثالثاً: ينبغي التكرار أمام الطلبة-ليرسخ في أذهانهم-أن عملية الحكم على الأسانيد ليست بالأمر السهل، وأن دراستهم هذه لا تؤهلهم له، فبيان درجة الحديث ليست بمعرفة اتصال السند وعدالة الراوي وضبطه فقط(وهو أمر ظاهر قد يتمكن البعض من إثبات وجوده) بل لابد من فقد الشذوذ والعلة، وهذا أمر متعذر لا على الطلبة بل علينا نحن الأساتذة، ولا يعرف ذلك إلا من أحاط بمجمل السنة وأسانيدها، ومواقع رجالها من الأسانيد، وعدالتهم، وضبطهم، ومعرفة شيوخهم الذين هم أوثق من غيرهم فيهم، وعكسه، وغيرها من أسباب الترجيح بين الرواة والمرويات.
فبتكرار هذه المفاهيم نأمن عدم تجرؤ الطلبة على اقتحام باب ليسوا أهلاً له، من غير أن يروا في أنفسهم نقصاً أو عيباً، فإن أساتذتهم يعترفون بذلك أيضاً.
رابعاً: تأليف كتاب في علوم الحديث حسب الوحدات الموضوعية المتقاربة، ثم ترتب موضوعات المنهاج المقرر تبعاً له، تكثر فيه الأمثلة، وترسم فيه شجرة الأسانيد التي توضح كل نوعٍ من المصطلحات وتميزه.
ولست مع بعض الطلبة الذين اقترحوا تأليف كتاب مختصر، إذ الاختصار يؤدي إلى الغموض، ولكني مع البسط الذي يجلّي الغموض، ويحل المشكلات.
خامساً: إنشاء كليات خاصة بعلوم السنة (وهو موجود في بعض الجامعات) يدرس الطالب فيها هذا العلم فصولاً عديدة، وألا يقل معدل الطالب في الثانوية العامة على 80%.
سادساً: إن كثيراً من الآراء ترى أن الحل يكمن بزيادة عدد الساعات، وإني إذ أتفق معها،إلا أني أرى عدم إمكانية التنفيذ كما نرجو، لاصطدامه بمقررات العلوم الأخرى فأصحابها يشكون -أيضاً- من قلة ساعاتها، وكثرة موضوعاتها فلن يمدونا بشيء، وأهل كل علمٍ يتشبثون بما لديهم من ساعات ويطالبون بالمزيد.
كما لا يجوز أن نحل مشكلتنا على حساب المقررات الأخرى، فتنتقل المشكلة من علم إلى آخر فنقع في حلقة مفرغة.
تلك مجمل الحلول لإزالة صعوبة فهم علوم الحديث عند الطلبة، وهي حلول موجهة إلى عناصر العملية التعليمية الأربعة المؤلفة من الطالب، والأستاذ، والمنهاج المقرر، والكتاب المقرر، وإذا تمت الإصلاحات فيها فلن نسمع-بإذن الله تعالى- بعد ذلك بشكوى الطلبة من صعوبة هذا العلم، ولا بتبرمهم و ضجرهم منه.
ولكـن هل الظروف الحاليـة لنظـام التدريـس الجامعي تساعد على تطبيق جميع هذه الحلول ؟ إني أشك في إمكانية تحقيق ذلك.
وسبب هذا الشك أننا - نحن الأساتذة المتخصصين - محكومون في تدريسنا لعلوم الدين الإسلامي عموماً بنظام التعليم الغربي الذي يطبق في جامعاتنا، وهذا النظام مقيد بسنوات محدودة، وساعات معدودة، يمنح الطالب بعد إنجازها شهادة تفيد أنه صار أهلاً لتدريس هذه العلوم، أو للتصدي للإفتاء، أو الدعوة إلى الله تعالى، مع يقيننا أن جملة هؤلاء ليسوا أهلاً لما رُشحوا له، لقلة حصيلتهم العلمية، وتدني مستواهم العام.
إن هذا النظام لم يؤد إلى تدني مستوى الطلبة في علوم الحديث فقط، بل أدى إلى ضعف عام في جل علوم الشريعة كالفقه وأصوله، والتفسير والتوحيد وعلوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة واللغة، كما أدى هذا النظام إلى أن تبوأ سدة الفتوى والإرشاد والتعليم أناس يحتاجون إلى توجيه و إرشاد، وإلى أن تجرأ للاجتهاد في النوازل، والترجيح بين أقوال الفقهاء والمفسرين وعلماء العقيدة من لم تجتمع فيه شروط الاجتهاد والترجيح.
وفي ذلك يقول أبو بكر الشنتريني - من علماء القرن السادس الهجري-:
(ولقد رأيت جماعة من الفقهاء المتقدمين الذين لم يبلغوا درجة المجتهدين قد تكلموا في مسائل من الفقه فأخطأوا فيها، وليس ذلك لقصور أفهامهم، ولا لقلة محفوظاتهم، ولكن لضعفهم في هذا العلم - يعني النحو - وعدم استقلالهم به)[14].
(يجب ألا يتقاصر علم المجتهد عن معرفة أسرارها (اللغة) في الجملة، وذلك لأن الأحكام التي يتصدى المجتهد لاستنباطها وعاؤها أدق الكتب وأبلغها، ولابد لمن يستخرج الأحكام من أن يكون عليماً بأسرار البلاغة،ليتسامى إلى إدراك ما اشتمل عليه من أحكام، وإنه على قدر فهم الباحث في الشريعة لأسرار البيان العربي ودقائقه تكون قدرته على استنباط الأحكام من النصوص)
وتولى تدريس اللغة العربية من لا يتقن قراءة نصف صفحة قراءة سليمة خالية من الأخطاء،فالمرض استشرى،والبلاء عم، بسبب هذه المناهج،وفي ذلك يقول الدكتور محمود الطناحي -رحمه الله تعالى-[16] : (وهاهي نُذُر الفتنة قد أطلت برأسها، فلن يستطيع أحد مهما غلا في تقدير كليته أو معهده أن يزعم أن طالباً متخرجاً في هذا المعهد، أو تلك الكلية يستطيع الآن أن يقرأ سطراً من كتاب سيبويه، فضلاً عن أن يفهمه، أو يحل رموزه، وإذا لم يستطع خريج كلية تعنى باللغة العربية وآدابها أن يقرأ سيبويه، فمن ذا الذي يقرؤه؟ وإذا لم يقرأه في سني دراسته فمتى يقرؤه). فالعلاج الناجع ينبغي أن يكون شاملاً ليس فقط لعناصر العملية التعليمية، بل لأنظمة التعليم أيضاً، وألا يقتصر العلاج على حل مشكلة علم واحد وإهمال بقية العلوم المرتبطة به، فإن العلوم الشرعية والعربية كالجسد الواحد لايجوز علاج عضوٍ من أعضائه على حساب سائر الأعضاء.
إن الحلول التي ذُكرت أولاً حلول جزئية، لا تعالج المشكلة جذرياً، وينبغي أن نطمح وننشد إصلاحاً عاماً.
لقد آن الأوان-أيها الإخوة-لإعادة رسم خطط ومناهج التعليم الجامعية في التخصصات الشرعية والعربية بما يتلاءم مع طبيعتها، وعدم إخضاعها لأنظمة التعليم الغربية الغريبة عنها، فيخصص لكل علم الساعات التي تؤهل الطالب لحمله وتدريسه حقيقة، ولو أدى هذا التخطيط إلى زيادة عدد السنوات في المرحلة الجامعية،فهذا ليس بدعاً فهناك تخصصات علمية تزيد عدد سنواتها على أربع، فلماذا لم يلزم أهل هذه التخصصات بسنوات أربع؟ والجواب أن طبيعة هذه العلوم ودقتها لا تكفيها تلك المدة لتأهيل الطالب، وكذلك العلوم الشرعية ينبغي للمختصين وحدهم أن يحددوا عدد السنوات التي تؤهل الطالب من غير ممارسة أي ضغط عليهم.
كما ينبغي للمختصين في هذه العلوم -دون سواهم- أن يحددوا فيما إذا كان الأنفع والأجدى أن تتم الدراسة وفق نظام سنوي، أو فصلي، أو نظام ساعات معتمدة، وإذا كان النظام الأخير قد أثبت نجاحه في بعض العلوم فلا يلزم منه صلاحية تطبيقه على سائر العلوم ونجاحه فيها.
ولن يتم إصلاحٌ في ظل النظام التعليمي الحالي، البعيد عن طبيعة علومنا، الذي يدرس فيه علم عظيم ساعات معدودة، لأنه لا يمكننا تأهيل إنسان عالم مستوعب لعلوم الحديث في ساعتين أو ثلاث، بل سيبقى هذا العلم غامضاً، وغير مفهوم له، وعلى من يروم التفوق الاعتماد على نفسه في دراسته على علماء متخصصين خارج أسوار الجامعة.
إن مطالبتنا بفهم الطالب واستيعابه هذا العلم في الوضع الحالي كمطالبتنا لإنسان درس علم النحو في بضع ساعات أن يكون نحوياً، مدركاً لموضوعات هذا العلم ومباحثه ودقائقه، مطبقاً له في نطقه وكتاباته!!
إن تحقيق هذا المطلب متعذر إن لم يكن مستحيلاً، ويكون مثلنا كمثل القائل:
تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويكون أولاً
هذه رؤيتي للحل الشامل، وهو إن كان بعيد المنال حالياًَ، إلا أنه يجب علينا ألا نغفله، وأن نسعى إليه ونطمح له، وننادي به، حتى يتم تحقيقه ولو بعد حين. وهي رؤية للعبد الضعيف فإن أصبت فمن الله تعالى، وله الحمد والشكر والمنة على ما وفق وألهم. وإن أخطأت فمني ومن الشيطان - أعاذنا الله منه - وحسبي أن موقفي لم يكن سلبياً إزاء هذه المشاكل، بل أدليت بدلوي، وبذلت جهدي - وهو جهد المقل - وفي ذلك أجر - إن شاء الله تعالى -.
ولن يكون العلاج والحلول عند شخص واحد مهما علا قدره، فلا بد من تضافر الجهود، ومناقشة الآراء ودراستها و تمحيصها؛لنخرج بحلول ناجعة تنسب إلى مجموعة -لا إلى فرد واحد- من أهل الاختصاص والخبرة، فإن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب، ويد الله على الجماعة.
أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً ويلهمنا الصواب، ويجنبنا الزلل في أقوالنا وأعمالنا وكتاباتنا ومناقشاتنا، وأن يبارك في هذه الندوة وكل من شارك فيها أو ساهم في دعمها، وأن يجعلها الفاتحة لندوات ومؤتمرات أخرى، تعمل في هذا الاتجاه وتيسر للطلبة علوم الحديث وعلوم الشريعة عموماً.
Komentar
Posting Komentar