كيفية إفادة المتأخرين من المتقدمين
في علوم الحديث
د.عبـد الـرزاق الجــاي
أستــاذ السنـة وعلومها
كليـة آداب جامعـة محمد الخامس
الرباط ـ المغرب الأقصى
الحمد لله رب العالمين، وبه سبحانه وتعالى نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، ومعلم الناس الخير، محمد بن عبدالله وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
أما بعد،
فقد لبيت الدعوة شاكرا لمعالي السيد جمعة الماجد راعي ندوة علوم الحديث: »واقع وآفاق«، ولمدير الكلية وعميدها ونائبه، راجيا أن أنهل من معارفكم وأرتوي من معين وحياض هذه الندوة المباركة التي جمعت من الأفاضل أئمتهم، ومن العلماء فرسانهم، كيف لا وهم فرسان الحديث الذين يدفعون عن السنة الدسائس ويذبون عنها الكذب.
أيها الحضور الكريم، اسمحوا لي إذا جرؤت على التحدث بهذه الكلمة المتواضعة، وهي عبارة عن تساؤلات تروم من كل غيور على هذه السنة، أن يبحث عن جواب يشفي الغليل، ويضيء للطالب المبتدئ السبيل.
هذه بعض الخواطر عنت لي، أملتها الظروف العملية، في زحمة المشاغل المتباينة، آملا من الله عز وجل أن يرزقنا فتحا من عنده -فتح العارفين به- مدليا بدلوي في ميدان من أخطر الميادين، وأدق الصناعات، ويتجلى ذلك في صناعة الحديث الشريف تلقينا وأخذا، وفهما ونشرا.
أقول وبالله التوفيق ومنه العون والسداد.
توطئـة:
تصل أعداد كبيرة من طلاب العلم إلى المستوى الجامعي، وبعد اختيار مسارهم العلمي، فقد يوفقون في هذا الاختيار وقد يفشلون.
ونسبة التوفيق قمينة بوجود تكامل بين التعليم الأساسي والثانوي والتعليم العالي، كما أن نسبة الفشل تكون بسبب التباعد المنهجي بين التكوين قبل الجامعة، والتكوين الجامعي بصفة شمولية.
وسعيا وراء الوقوف على أسباب الفشل، وخاصة في علم من أهم العلوم الشرعية، وهو علم السنة ومتعلقاته، فإن هذا البحث المتواضع يحاول تعميق النظرة في هذا الأمر، واقتراح بعض الأفكار المناسبة للرقي بمستوى فهم هذا العلم الشريف، عند المنتهي والمبتدي.
واقع تلقي الطالب لعلم السنة في الجامعة المغربية:
إن سؤالنا عن كيفية إفادة المتأخرين من المتقدمين في علوم الحديث هو سؤال صحي يهدف إلى:
1 - رصد واقع تدريس علوم الحديث بالجامعة.
2 - ضبط الخلل الذي طرأ على فهم هذه العلوم.
3 - بيان وسائل علاج هذا الخلل والطرق المفيدة لدراسة هذه العلوم.
ومن أجل تناول هذه القضايا بالدرس والتحليل، أقترح إلقاء نظرة موجزة على مقررات السنوات التي تؤخذ فيها مادة السنة وعلومها في الجامعة المغربية (خلال سنوات الإجازة - أو الباكالوريوس) جامعة محمد الخامس - كلية الآداب نموذجا.
ففي السنـة الأولى: يقف الطالب على بعض العلوم الأساسية في السنة مثل: مصطلحات: السنة، الحديث، الخبر، الأثر.
علم الحديث رواية، علم الحديث دراية.
الصحيح - الحسن - الضعيف.
وفي السنـة الثانية: يدرس الطالب علم الجرح والتعديل وعدالة الصحابة وطبقاتهم وأثر علم الجرح والتعديل في تقسيم الخبر إلى صحيح وحسن وضعيف.
أما في السنة الثالثة: وهي آخر سنة يتلقى الطالب فيها علوم السنة، فيتعلم علل الحديث وتتبع طرقه وتخريجه، ومشكله وغريبه وناسخه ومنسوخه ومن ثم يكون قد استكمل دراسة الحديث بتوصله إلى استنباط الفوائد والأحكام الفقهية وهي الثمرة الكبرى، والغاية العظمى من هذه العلوم كلها.
إلا أن بعض الطلبة يصطدمون في أول سنة بعلوم لا قبل لهم بها، مثل علم الرواية والدراية. خاصة إذا وكلوا إلى اختيار المصادر والمراجع، وقد تحصل الكفاية لبعضهم بكتاب واحد، حسب ظروف كل واحد.
ومن هنا تعرض مسألة تعامل الطالب مع المصادر والمراجع.
إنني أكاد أجزم - من موقع التجربة - أن الطالب يأخذ معلوماته من المصدر أو المرجع أخذ المسلم المستسلم، حيث لا يكلف نفسه عرض أفكار الكتاب على ما ألف قبله أو بعده.
وقد يكتفي الطالب بمحاضرات أستاذه، ويعتبرها من المسلمات التي لا تقبل المناقشة أو المذاكرة. وهذه آفة تذهب بنور العلم وضيائه.
وهذا يسوقنا إلى محطة أخرى نتساءل فيها عن الوقت المناسب الذي يأخذ الطالب فيه الحديث.
متى يأخذ الطالب الحديث وعلومه؟
لا شك أن علماءنا قد فطنوا لهذا المنهج، وتباينت وجهات نظرهم حسب بيئاتهم العلمية.
وقال أبو عبدالله الزبيري: »يستحب كتب الحديث من العشرين لأنها مجتمع العقل... وأحب إلي أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض«[3].
إلا أننا في عصرنا هذا، عصر الشواهد الإدارية، صار من المستحيل ضبط الصالح من طلاب العلم الشريف من غيرهم، وتمييز من يكون أهلا للطلب ممن ليس بأهل لذلك.
واقع طلب الحديث:
في غياب المنهج العلمي الذاتي، أفرز الواقع التعليمي المظاهر الآتية:
أ - ضعف المحصول الحديثي لدى الطلاب؛ وهذا يستوجب العمل على إنماء هذا المحصول بالمناهج العلمية الذاتية (لا المستوردة).
ب- غياب طرق أخذ العلم: »أول العلم السماع ثم الإنصات ثم الفهم ثم الحفظ ثم النشر والتبليغ«.
ج - كثرة مواد الوحدة أو الشعبة.
د - اختلاف مناهج تقديم الدرس من قبل المحاضر أو الأستاذ، يؤدي إلى تباين مواقف الطلبة من محبة الحديث الشريف، ومما لا شك فيه أن محبة العلم هي أول خطوة ناجحة في درب فهم هذا العلم والارتواء من معينه. (ومن كره شيئا عاداه).
يصل بنا هذا إلى البحث عن أسس تلقين مادة السنة وعلومها لهذه الفئة من الطلاب الذين سبق التعرف على واقعهم ومستواهم العلمي.
أسس تلقين مادة السنة وعلومها:
1 - الحرية: فلا بد أن يشعر الطالب بالحرية في اختيار هذا العلم، والحرية في مناقشة قضاياه، والحرية في عرض ما يشوب فهمه من غبش يراه صوابا، وبلغة أخرى لا نفرض عليه عبارات معينة.
2 - أدب مذاكرة الحديث النبوي: فالحرية لا تتنافى مع الأدب في مذاكرة الحديث الشريف ومناقشة قضاياه وأحكامه والعلوم المرتبطة به، بل إن الأدب يعد من مستلزمات الحرية في مذاكرة العلم الشريف.
3 - ارتباط المذاكرة بتحضير الدرس: فالطالب لا يمكن أن يناقش هذه القضايا ويتذاكر في هذه الأحكام ما لم يكن ملما بها ومطلعا على عيونها ومصادرها.
4 - وجوب التكوين المستمر: لأن الواقع الفكري للأمة عامة وللمثقفين خاصة، يدعو إلى وضع خطة تعليمية تهتم بتجديد التكوين الفكري وتطويره، ومراجعة الأساليب التربوية باستمرار، والإفادة من تجارب المؤسسات العلمية سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه. »والحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أحق بها«.
ولا ريب أن استدعاء الخبراء في ميدان من الميادين للإفادة من علمهم وخبراتهم، يعد من صميم التكوين المستمر.
وهذا ليس بغريب عن الفكر التربوي الإسلامي، فالمسلم يتلقى المعارف من المهد إلى اللحد »اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد« »مع المحبرة حتى المقبرة«.
روى الإمام مالك[4] في الموطأ أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: (يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل من السماء).
والعلم بالسنة ليس حكراً على فئة دون أخرى، وعلى الصغار دون الكبار لأن الأمر بطلب العلم عام وشامل لكل الأعمار.
وقد أصبح اليوم من اللازم مراجعة مفهوم التكوين المستمر في العلوم كافة، وعلم السنة على وجه الخصوص. فالحاجة إلى منهج متكامل يأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب: الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرض نفسها فرضاً، وأصبح لزاماً على المؤسسات العلمية أن تبذل جهوداً منظمة من أجل الارتفاع بالمسلم إلى المستوى الذي يؤهله للخلافة في الأرض.
ووعينا بهدف التكوين المستمر يجب أن يكون معمقاً، خاصة إذا ربطناه بدوافع مختلفة تجعل المنتهي يعود إلى الدراسة:
ـ تغيير المركز الاجتماعي.
ـ الترقي في سلم الوظيفة.
ـ أو الاستزادة من أسرار الصدمة الحديثية حتى يكون رأساً فيها.
وصدق الشاعر عندما قال:
رأيت العلم صاحبـه كريم ولـو ولدتـه آباء لئـام
وليس يزال يرفعـه إلى أن يعظم أمره القوم الـكرام
ويـتبعونه في كل حــال كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجال ولا عرف الحلال ولا الحرام
ولعل من حسنات التكوين المستمر، إلى جانب التحصيل العلمي، الاستمرار في الطلب حيث يورث طمعا متجددا للحياة، ويبث الشعور بالنشاط ويجدد الثقة بالنفس، لأن الطالب يفهم من خلال إقباله على هذه الحلقات العلمية أشياء جديدة، ويصقل معلوماته القديمة ويحاور غيره ممن يلتقي به أثناء التلقي، ويتعلم التعاون على البر، ويضطر لمقارعة الحجة بالحجة، كما أنه يرتب أفكاره ويجعل لها قالبا جديدا، بالإضافة إلى الأثر الذي يحدثه في محيطه.
وبناء على ما تقدم نقرر:
أن الذي يعود إلى هذه الحلقات بعد قطيعة يجد معالم جديدة، توفر له فرصة الانطلاق من جديد.
ونقرر أيضا أن العقل يفسد عندما يعتريه الكسل والخمول إذا اقتصر على القليل، أو النظرة الوحيدة، وبعبارة أخرى أحادية المرجع، فصاحب هذا الإتجاه تتبلد أفكاره ويردد أفكار غيره مثل الببغاء، والتقليد كما قال شيخنا عبدالله بن الصديق -رحمه الله- لا يأتي بخير.
إن التكوين المستمر يحرر الفهم، ويطلق العنان للعقل ليبدع ويحلل وينتقد ويبني ويرجح.
فإذا استطعنا أن نبث هذه الروح في طلبتنا، سهل علينا أن نسأل ونتساءل معهم:
* ما معنى صححه فلان؟
* ما معنى ضعفه فلانه؟
* هل نسلم لتصحيح المتقدمين؟
* هل نسلم لتضعيف المتقدمين؟
* هل نسلم لتصحيح المتأخرين؟
* هل نسلم لتضعيف المتأخرين؟
* ما معنى التشدد والتساهل في التصحيح والتضعيف؟
* ما معنى متفق عليه في غياب الاطلاع على قصد وشرط كل مصنف؟
* هل تتحد رؤى المصنفين للرجال أو تتباين؟
* لماذا ينفرد أحد المصنفين بإخراج حديث دون الباقي؟
مثالـه:
عمر هذا وصفه الحافظ ابن حجر في »تقريب التهذيب« أنه: متروك وإذا رجعنا إلى »تهذيب التهذيب«[6] لاستعراض أقوال العلماء فيه، نلحظ أن أقوالهم قد اتفقت على جرحه، فقد كذبه ابن معين وقال: »ليس بشيء كذاب خبيث، رجل سوء حدث عن أبي معاوية بحديث: »أنا مدينة العلم وعلي بابها« وهو حديث ليس له أصل« وقال الإمام النسائي ليس بثقة متروك الحديث، وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني واتهمه ابن عدي بسرقة الحديث، فهذا الراوي تالف بيقين ولا يتقوى بالمتابعة.
إذن لماذا انفرد الترمذي بتخريج حديثه؟ ما هو قصده، هل هو مقبول عنده أم مردود؟
وصفوة القول: إن من الإنصاف أن نضع كل حديث في موضعه، وننظر في مقصد وشرط مخرجه. والله أعلـم.
كيفية تيسير علوم الحديث على الطالب المبتدئ:
قديما قال العلماء:
»من حفظ المتون فقد جمع الفنون« فإذا أردنا أن نصحح ما أفسدته الأيام، وتوالي الأزمان، يجب أن نعيد للحفظ - حفظ المتون - مكانته، وأن نبدأ بأبسطها، فمثلا يبدأ الطالب بحفظ متن البيقونية ثم يعرضها على كتاب مقدمة ابن الصلاح ثم ألفية العراقي ويعرضها على تدريب الراوي للسيوطي، وهكذا يترقى الطالب في مدارج العلم والمعرفة.
فمثلا: إذا حفظ الطالب
أولها الصحيح هو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل
يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله[7]
يقرأ هذه القاعدة عند ابن الصلاح ويقارن بما يحسن نقله عنه بنصه:
»أما الحديث الصحيح: فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا«[8].
وتسهيلا على الطالب المبتدئ نقرب له صورة هذا التعريف بالطريقة الآتية:
لا يكون الحديث صحيحا إلا إذا استوفى الشروط المبينة أدناه:
1 - أن يكون مسندا: بحيث ينسب القول أو الفعل أو التقرير أو الصفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسند.
2 - أن يكون متصل السند: أي أن كل راو من الرواة المذكورين في السند قد سمع هذا الحديث من شيخه أو أخذه بطريق من طرق التحمل المعروفة عند المحدثين.
3 - أن يكون رواته متمتعين بالعدالة والضبط، بحيث يكون كل راو من الرواة عدلا ضابطا، ومن جمع بين هذين الصفتين فهو الثقة.
وهنا نفتح قوسين لنعرف بالعدالة والضبط تعريفا موجزا يقتضيه المقام فنقول:
العدالة ملكة تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة، والتقوى هي اجتناب الأعمال السيئة: من شرك أو فسق أو بدعة.
والضبط: هو أن يحفظ الراوي الحديث من شيخه ويعيه بحيث إذا حدث به عنه حدث به على الوجه الذي سمعه عليه.
4 - أن لا يكون شاذا، والشذوذ لغة التفرد، وفي اصطلاح أهل الحديث: ما يخالف فيه الراوي من هو أوثق منه.
5 - أن لا يكون معللا: أي لا يكون فيه علة خفية تقدح في صحته.
ثم نستعرض مع الطالب بعض الأمثلة الموضحة لما سبق، حتى تترسخ معالم هذه الصنعة وتتمكن من لبه:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير/باب: ما يعوذ من الجبن) قال: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر، قال: سمعت أبي، قال سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
»اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، و الجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر«.
فقد استوفى هذا الحديث شروط الصحة وهي:
1 - إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - اتصال السند من أوله إلى آخره، فأنس بن مالك صحابي سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وسليمان بن طرخان -والد المعتمر- قد صرح بالسماع من أنس، ومثله المعتمر قد صرح بالسماع من أبيه، وكذلك شيخ البخاري قد صرح بالسماع من معتمر، والبخاري -رحمه الله- قد صرح بسماع هذا الحديث من شيخه.
3 - توفر العدالة والضبط في رواة السند من لدن الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه إلى مخرجه الإمام البخاري -رحمه الله-.
* فأنس ابن مالك -رضي الله عنه-: صحابي، وكل الصحابة عدول بتعديل الله لهم -رضي الله عنهم أجمعين-.
* وسليمان بن طرخان -والد المعتمر- ثقة عابد.
* وابنه المعتمر ثقة.
* ومسدد بن مسرهد: ثقة حافظ.
* والإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث وأستاذ الأستاذين وطبيب المحدثين في العلل.
4 - كذلك فهذا الحديث غير شاذ.
5 - ولا هو معلل.
فاستوفى بذلك شروط الصحة، ولذلك أخرجه البخاري في صحيحه وفاقا لشرطه.
فنحن -بعد هذا- لا نشك أن هذا العلم لا يتقنه الطالب إلا بكثرة النظر والقراءة والممارسة والدراسة، وإلا كان علما جامدا، يتحرك فيه الطالب بين مصطلحات جافة، فلا يرجح إلا من جهة النظر، وهذا مما يلحقه القصور، فليس الخبر كالمعاينة وإن لم يوافق الخُبر الخبر كان مجرد حكاية أو ظن غالب على الغاية.
ولعل أهم أسباب عدم إفادة اللاحق من السابق تكمن في:
عدم استيعاب الطالب لاختلاف مذاهب المحدثين في عدالة الراوي وضبطه، وهذه أهم قاعدة الاختلاف بين المحدثين ومسائلها تتفرع إلى:
1 - اختلاف المحدثين في كيفية ثبوت عدالة الراوي.
2 - اختلافهم في ثبوت الجرح والتعديل بقول واحد.
3 - اختلافهم في حكم التعديل على الابهام من غير تسمية المعدل.
4 - اختلافهم في رواية الثقة عن رجل سماه، وهل تدل على توثيقه.
5 - اختلافهم فيمن روى عن ثقة حديثا فسئل المروي عنه فنفاه.
6 - اختلافهم في أخذ الأجرة على التحديث.
أما أهم قاعدة اختلافهم في ضبط الراوي فتنبني على أن الحكم على مبلغ ضبط الرواة هو اجتهادي(1).
[10]وبنظرة موجزة في كتب أصول الحديث، سيقف الباحث على اختلاف المحدثين في بيان علوم الحديث وقواعده واختلافهم في وجوه تحمل الحديث وأدائه، وأثره في القبول والرد.
وهذا التباين لم تسلم منه أنظار المحدثين والفقهاء في الكشف عن العلة واختلافهم في أثرها في القدح بصحة الحديث وعدمه.
قال الحافظ أبو الفتح ابن دقيق العيد:
»اللفظ الأول، الصحيح: ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على عدالة الراوي: العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك: أن يكون مسندا.
وزاد أصحاب الحديث: أن لا يكون شاذا ولا معللا، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى الفقهاء، فإن كثيرا من العلل التي علل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء«[11].
ومن ثم فطلبة العلم اليوم يجب أن يضعوا في خلدهم أن العلم لا يوجد في مصنف واحد، وأن الحكم على الحديث لا يُسلم لشيخ واحد، وإنما هي أحكام خاضعة للاجتهاد، وتضارب الأنظار، ما لم يتفق العلماء على صحيح أو يجمعوا على ضعيف.
وفوق كل ذي علم عليم
وصلـى الله وسلـم وبارك على سيدنا محمـد وآلـه وصحبـه
Komentar
Posting Komentar